خريطة النجاح والفشل

من الحقائق الواضحة أن النجاح أو الفشل قضية نسبية ، فالنجاح شيء نسبي ، وكذلك الفشل ، فلا يوجد من هو ناجح في كل شيء ، وأيضاً لا يوجد من هو فاشل في كل شيء ، فقد يكون شخصاً ناجحاً في عالم المال والإقتصاد ولكنه فاشل في دنيا العلم والمعرفة ، وقد يكون العكس ، فنحن أقوياء في أشياء ، وضعفاء في أشياء أخرى .

والنجاح أيضاً شيء متفاوت بين الناس ، فقد تكون أنت ناجحاً في العلاقات الإجتماعية بدرجة متوسطة ، وغيرك بدرجة ممتازة ، وثالث بدرجة ضعيفة ، وهكذا تتفاوت نسبة النجاح من شخص لآخر ، حسب قدراته وإمكانياته ، وحسب العوامل المؤثرة عليه سلباً أو إيجاباً ، ونوعية أستثمار القدرات والإمكانات .

فالإنسان "يولد وهو مفعم بمجموعة هائلة من المواهب التي لا يستغل منها بالفعل في حياته إلا القليل ، والعجيب أن الإنسان لا يستطيع أن يقف على ما أنعم عليه من مواهب إلا إذا واتاه الحظ بإخراجها من حيز الكمون إلى حيز الواقع ، وذلك أن معرفة الإنسان بنفسه لا تواتي جميع الناس ، بل إن الذين أستطاعوا أن يعرفوا أنفسهم قد تكلفوا في ذلك مشقة ، أي مشقة ، وأخذوا في تدريب أنفسهم على سبر أغوار شخصياتهم ، بتدريبات شاقة مستمرة ولم يكن عبثاً أن دعا سقراط الناس إلى معرفة أنفسهم ، لأنه أعتبر أن دخيلة الإنسان بمثابة غابة كثيفة من الصعب الكشف عما تخبئه من كنوز ومضامين .

والموهبة بمثابة خامة تحتاج إلى الكثير من الصقل والتكييف حتى يتسنى تحويلها من واقع خارجي يعترف به الناس ويصلح للحياة الإجتماعية ، ونستطيع تشبيه الموهبة بقطعة الماس لدى أكتشافها بين الصخور ، وأنها لا تختلف كثيراً عما حولها ، ولا بد من معالجتها بمهارة حتى يبدو بريقها واضحاً ناصعاً قوياً ، وحتى يتسنى للناس الأعتراف بها بأنها معدن نفيس ، فلا يكفي إذن أن تكتشف حتى يتسنى لك إحالته من حال الكمون إلا حالة الواقع الفعلي البادي للعيان " (1)

إذن من المهم أن نكتشف ما لدينا من مواهب وطاقات ، والأهم من ذلك أن نستثمر هذه القدرات والمواهب ، ونوظفها في سبيل تنمية شخصيتنا .

ومن الأسس الأولية للنجاح أن يتعرف الواحد منا على نقاط قوته لينطلق منها في ميادين الحياة المختلفة ، وكذلك يتعرف على نقاط ضعفه كي يتجاوز ويحاول التخلص منها إن أمكن .

وفي واقعنا الذي نعايشه ، قد نجد من يملك النجاح الباهر في دنيا المال ، وهذه نقطة قوة ، ولكنه لا يفقه شيئاً في حقول المعرفة ، وهذه نقطة ضعف ، وكما قال الدكتور " هارولد فينيك " : ( لقد عالجت في عملي كثيراً من الأشخاص الموهوبين الأفذاذ ، ومنهم أحد قضاة المحكمة العليا ، وكثيراً من الكتاب الذائعي الصيت ، والموسيقيين والعمالقة في عالم المال وإدارة الأعمال ، وكلهم يحظون بنوع خاص من البصيرة ، وقد نما إلى درجة مذهلة ، ولكنهم بالمثل تنقصهم البصيرة في بعض نواحي الحياة الهامة بدرجة مذهلة أيضاً (2)

إذن لا بد أن يكون لأي شخص قوة في نواحي ، وضعف في نواحي أخرى ، فليس هناك ناجح في جميع نواحي حياته ، وكذاك لا يوجد فاشل في جميع نواحي حياته ، بل إن الإنسان هو مزيج من النجاح والفشل معاً ، وذلك لأنه يملك القوة والضعف معاً ! فلكل إنسان مواهب خلاقة يتمتع بها ، وفي الوقت نفسه نقائص ملتصقة به ! ويبقى نجاحه أو فشله شيء نسبي ، تبعاً لنسبة قوته وضعفه ، وطريقة تعامله مع ما يملك من قوة وضعف .

ويبدو الفرق واضحاً ، بين الإنسان الناجح والفاشل ، فالناجح هو من يستثمر مواهبه الخلاقة ، ويتجاوز نقاط ضعفه ، والفاشل هو من يعيش هموم ضعفه ، وينسى نقاط قوته .. وهذه هي المسافة بين النجاح والفشل !

خريطة النجاح :

عندما نريد أن نرسم خريطة لبلد ما ، فلا بد من أن نوضح فيها مساحة ذلك البلد ، المدن الرئيسية فيها ، عدد السكان ، البلدان التي تحدها ، البحار التي تقع عليها ، التضاريس ، والمناخ ... ألخ ، كي نتعرف بدقة على معالم ذلك البلد المقصود ، وكذلك أنت ــ عزيزي القارئ ــ إذا أردت أن تعرف معالم شخصيتك ، فمن المهم أن تعرف خريطة نفسك !
ولنتساءل سوياً ما هي خريطة النجاح ؟

خريطة النجاح هي جزء من كيانك العام .

ومم تتكون هذه الخريطة ؟

وببساطة تتكون خريطة النجاح من :

1 ــ العقل المفكر الذي تملكه ، والذي لايملكه مخلوق آخر سوى الإنسان

2 ــ المواهب الكامنة في شخصيتك

3 ــ الجسم المتناسق والقوي الذي تتمتع به

4 ــ الروح المعنوية المزروعة فيك ، والتي تبعث فيك القوة والديناميكية الفعالة

5 ــ وبكلمة جامعة .. هي كل نقاط القوة التي تحوز عليها ، كالإرادة القوية ، والثقة بالنفس ، والعزيمة الثابتة ، والثقة بالمستقبل ، ... ألخ

هذه هي مكونات خريطة النجاح ، أنها جزء منك .. من كيانك العام .. من شخصيتك العامة .

خريطة الفشل :

وخريطة الفشل هي أيضاً جزء من كيانك العام ، ومن شخصيتك العامة .

وتتكون هذه الخريطة من العناصر التالية :

1 / العقل الجامد أو المجمد !

2/ المواهب الكامنة فيك ، والتي حولتها بإرادتك إلى سلاح ضدك.

3/ الجسم القوي ، والذي حولته ــ بسوء تصرفك ــ إلى جسم واهن هزيل .

4/ الروح المعنوية ، التي تحطمت ، بفعل نظرتك السلبية للحياة .

5/ وبكلمة جامعة .. هي كل نقاط الضعف التي تملكها ، كضعف الإرادة وانعدام الثقة بالنفس ، ضعف الهمة ، والتشاؤم من الحياة .. ألخ .

هذه هي المواقع الإستراتيجية للفشل !

إننا ــ نحن البشرــ بإمكاننا أن نتغلب على كل نقاط الضعف ، أو لاأقل نتجاوزها ، وأن ننمي في ذواتنا نقاط القوة ، وننطلق من ثم ، في الحياة .. للبناء وللتعمير ، وللإنتاج .. فهذه من مسؤليتنا في الحياة.

إن معرفتنا بأنفسنا هي أساس نجاحنا ولذك بنى سقراط فلسفته على الحكمة الذهبية القائلة )أعرف نفسك )

وصدق الله العلي العظيم إذا يقول : ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) ( 3)


(1) الثقة بالنفس ص 187
(2) علموا أنفسكم فن الحياة ص52
(3) سورة الذاريات آية 21
** كتاب الشخصية الناجحة

جميع الحقوق محفوظة © مهرجان تكريم القطيف

تسلمي اختي الغالية على الموضوع
والله يعطيك الف عافية
تحياتي
قوس السماء